منتدى ماستر القواعد الفقهية والأصولية بفاس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ماستر القواعد الفقهية والأصولية بفاس

وتطبيقاتها في الأحكام والنوازل
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
المنتدى في طور البناء، لا تبخلوا عليه بمشاركاتكم
عما قريب ستزول الاعلانات المزعجة، إذا كان منتدانا نشيطا، فلنساهم في إزالتها بالمشاركة والإفادة والاستفادة

 

 حجية فقه الموازنات وحاجة الأمة إليه

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد زنفوري

أحمد زنفوري


عدد المساهمات : 7
تاريخ التسجيل : 19/02/2011

حجية فقه الموازنات وحاجة الأمة إليه Empty
مُساهمةموضوع: حجية فقه الموازنات وحاجة الأمة إليه   حجية فقه الموازنات وحاجة الأمة إليه I_icon_minitimeالخميس مارس 03, 2011 4:29 pm





الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى أله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإن موضوع الموازنة بين المصالح والمفاسد أو فقه الأولويات معلم عظيم من معالم ديننا الحنيف، وهو ثابت في الكتاب والسنة وقد كان هذا العلم رائد الصحابة، وعلماء الأمة، فما كان أحدهم يفتي إلا وهو يوازن بين المصالح لتحقيق مراد الله، وهو أعظم مصلحة يبتغيها الإنسان.

وقد اخترنا أن نتحدث في هذا العرض البسيط عن حجية فقه الموازنات وحاجة الأمة إليه.
















سنتناول هذا الموضوع في ثلاثة مباحث.
المبحث الأول: تعريف مختصر لفقه الموازنات.
المبحث الثاني: حجية فقه الموازنات. وذلك في أربع نقط
1/حجيته من القرآن.
2/حجيته من السنة.
3/حجيته من الإجماع.
4/حجيته من المعقول.
المبحث الثالث: حاجة الأمة إلى فقه الموازنات.




المبحث الأول: تعريف مختصر لفقه الموازنات.
فقه الموازنات هو مجموعة الأسس والمعايير التي تضبط عملية الموازنة بين المصالح المتعارضة أو المفاسد المتعارضة مع المصالح ليتبين بذلك أي المصلحتين أرجح فتقدم على غيرها ، وأي المفسدتين أعظم خطراً فيقدم درؤها كما يعرف به الغلبة لأي من المصلحة أو المفسدة -عند تعارضهما- ليحكم بناء على تلك الغلبة بصلاح ذلك الأمر أو فساده.
وقد عبر شيخ الاسلام ابن تيمية عن هذا بقوله:" وأنها ترجح-الشريعة- خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما
وفقه الموازنات بهذا المفهوم أخص من فقه الأولويات وذلك أن فقه الموازنات يأتي للترجيح بين المتعارضات التي لا يمكن فيها فعل أكبر المصلحتين إلا بترك الصغرى ، أو التي لا يمكن فيها درء أعظم المفسدتين إلا بفعل الأخرى أو التي لا يمكن فيها تجنب المفاسد إلا بترك المصالح ، أو التي لا يمكن فيها تحقيق المصالح إلا بتحمل المفاسد، ففقه الموازنات يأتي للترجيح بين المصالح والمفاسد المتعارضة ليتبين بذلك أي المتعارضين يعمل به وأيهما يترك • أما فقه الأولويات فهو يأتي للترتيب بين المصالح ليبين ما الذي ينبغي أن يكون أولاً وما الذي ينبغي أن يكون ثانياً وثالثاً ورابعاً • وكذلك يعمل على الترتيب بين المفاسد فيبين ما الذي ينبغي تركه أولاً وما الذي ينبغي تركه ثانياً وثالثاً ورابعاً • فيعرف بفقه الأولويات ما حقه التقديم وما حقه التأخير ويوضع كل شيء في موضعه •• وهذا الترتيب الذي يقوم به فقه الأولويات قد يكون مبنياً على فقه الموازنات عندما يكون هناك تعارض • وقد لا يكون مبنياً على فقه الموازنات وذلك عندما لا يكون هناك تعارض ، وإنما حسن ترتيب للأشياء .
ورغم ما بين الفقهين من اختلاف فإن فقه الأولويات مرتبط بفقه الموازنات، وفي بعض المجالات يتداخلان او يتلازمان فقد تنتهي الموازنة إلى أولوية معينة فهنا تدخل في فقه الاولويات.
المبحث الثاني: حجية فقه الموازنات. :
وفقه الموازنات ليسا فقها مبتدعا أو فقها جديدا إنما هو فقه متأصل دلت عليه أدلة من الكتاب والسنة والاجماع والعقل.
1/ /حجيته من القرآن.
يتضح أن مبدأ الموازنة بين المصالح في الشريعة الإسلامية له أدلة كثيرة في القرآن الكريم ومنها : قصة موسى عليه الصلاة والسلام في سورة الكهف مع العبد الصالح،
1/ قال تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا  •[ الكهف: 79 -82 ].
وجه الدلالة من الآيات: أن موسى عليه السلام أنكر على الرجل الصالح خرقه للسفينة، وبأن هذا فساد يؤدي إلى إغراق السفينة وأهلها، فرد عليه الرجل الصالح بأن هذا الفساد يدرء به فساداً أعظم، ألا وهو أن هناك مَلِكاً ظالماً يأخذ كل سفينة سليمة غير معيبة غصباً، ولأن تبقى السفينة لأصحابها وبها خرق أهون من أن تضيع كلها، وإذا حفظ البعض أولى من تضييع الكل، وهذا دليل على مشروعية الموازنة بين الفاسد والأفسد، ودرء الأفسد بارتكاب الفاسد.
وكذلك قتل الغلام، فإن العبد الصالح علم من الله أنه سيكون طاغياً وكافراً، وأن الله سيبدل والديه خيراً منه زكاة وأقرب رحما، وهذه موازنة بين المفاسد والمصالح.
وكذلك فإن عدم أخذ الأجرة على إقامة الجدار الآيل للسقوط مفسدة، ولكن المصلحة إقامة الجدار حفاظاً على كنز اليتيمين ليستخرجاه بعد بلوغهما، وهذه موازنة بين المصالح والمفاسد.
وكذلك هناك مفسدتان: الأولى بناء الجدار من غير أجرة، وهذه مفسدة صغيرة، مقابل مفسدة أعظم منها، وهي ترك الجدار حتى ينهار، مما يعرض كنز اليتيمين للضياع، فقام العبد الصالح بالموازنة بين المفاسد بدرء هذه المفسدة العظيمة، مقابل مفسدة عدم أخذ الأجرة .
2- قال تعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم [الانفال:67]
فهذه الآية تدل على أنه في معركة بدر تعارضت مصلحتان - الفدية والقتل - وأن هاتين المصلحتين متفاوتتان في النفع ، وأن أعظمهما نفعاً هو القضاء على الأسرى لما فيه من قطع لدابر صناديد المشركين وكسر لشوكتهم ، ولذلك كان يجب تقديم قتل الأسرى على افتدائهم • فالقضاء على الأسرى مصلحة معنوية ، وأخذ الفدية مصلحة مادية ، وقد بين القرآن الكريم أن المصلحة المعنوية كانت هي الأولى بالتقديم والعمل ؛ لأنها الأنسب في تلك المرحلة ، بل إن القرآن الكريم عاتب على اختيار المصلحة المادية .
3- قال تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم [الانعام:108]
وجه الدلالة: إن الآية منعت من سب آلهة المشركين وتحقيرها، وهي مصلحة بلا شك، وتحفيز للناس إلى عدم عبادتها، حتى لا يسب المشركون المولى عز وجل.
فكانت مفسدة سب الباري عز وجل أعظم من كل مصلحة فيها ذم لآلهة المشركين ، وتحفيز الناس إلى عدم عبادتها.
يقول ابن كثير: "إن الله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يُترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين" .
ويقول القرطبي: "إن المحق قد يكف عن حق له، إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين" .
• فإذا كان في السب مصلحة وهي إهانة آلهة المشركين ، فإن فيه مفسدة أكبر وهي دفع المشركين إلى سب الله تعالى
2/حجيته من السنة.:
لقد جاء في السنة النبوية عدد من الأحاديث الدالة على مشروعية فقه الموازنات منها:
أولا: امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين معللاً ذلك بقوله  : "فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه".
فقتلهم فعل مشروع لما فيه من مصلحة إنهاء كفرهم، وبثهم الدسائس بين المسلمين، ولكن هذا الفعل المشروع ذريعة إلى هذه التهمة أن محمداً يقتل أصحابه، وهي مفسدة تزيد على مصلحة القتل بكثير . وهذا يتعلق بالموازنة بين المصالح والمفاسد.
ثانياً : ما يتعلق بالموازنة بين المفاسد المتعارضة إذا اضطر إلى إحداها، ورد عدد من الأحاديث ، منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فقام إليه الناس ليقعوا فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)، فهذا الحديث قد تضمن موازنة بين مفسدتين : مفسدة بول الأعرابي في المسجد ومفسدة ترويع الأعرابي الذي قد يؤدي إلى نفوره عن الدين ، وبما أن مفسدة ترويع الأعرابي أكبر من مفسدة بوله فقد درأت المفسدة الكبرى بما هو أدنى منها ، لذلك فقد نهى النبي أصحابه عن زجر الأعرابي اتقاء ودرءاً لمفسدة الترويع. قال النووي: "وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما، لقوله  :دعوه، قال العلماء:وهذا لمصلحتين إحداهما أنه لو قطع عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به، والثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد." وقال ابن حجر: "لم ينكر النبي على الصحابة، ولم يقل لهم لم نهيتم الأعرابي؟ بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة،وهو دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما،وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما" .
ثالثا: وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر، إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ) (2) . وهذه موازنة بين
3/حجيته من الإجماع.
كان سلفنا الصالح يعملون بفقه الموازنات وأجمعوا على مشروعيته ، ولا أدل على ذلك من أن صحابة رسول الله رضي الله عنهم قد عملوا بفقه الموازنات من أول يوم بعد وفاة الرسول وفي أول قضية واجهتهم بعد وفاة رسول الله مباشرة ، وذلك أنه تعارض لديهم مصلحتان وهما : مصلحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم ومصلحة تنصيب الخليفة ، وأشكل عليهم تحديد أي المصلحتين يكون البدء بها وأيهما تؤخر ، وبناء على فقه الموازنات فقد تجلى للصحابة أن المصلحتين متفاوتتان بين كبرى وصغرى ، فالمصلحة الكبرى هي اختيار خليفة للمسلمين ، والصغرى هي دفن الرسول وذلك لأن بقاء المسلمين بدون خليفة أخطر على الإسلام من تأخير دفن الرسول فإقامة خليفة للمسلمين أمر لا بد من السرعة في إقامته حفاظاً على كيان الدولة الإسلامية • وبما أن المصلحتين متفاوتتان فقد قدم الصحابة المصلحة الكبرى على المصلحة الصغرى وبدءوا باختيار الخليفة، ولما انتهوا من ذلك سارعوا بدفن الرسول ولم يخرج من بين الصحابة من ينكر مثل هذا العمل ، فدل ذلك على إجماعهم في الأخذ بفقه الموازنات وترتيب الأولويات.
4/حجيته من المعقول.
وإضافة إلى ما سبق ذكره من الأدلة على مشروعية فقه الموازنات وإجماع الصحابة على مشروعية فقه الموازنات ، فإن العقل أيضاً يقضي بضرورة العمل بهذا الفقه ؛ إذ إنه كما يقول العز بن عبد السلام: " وَمُعْظَمُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَمَفَاسِدِهَا مَعْرُوفٌ بِالْعَقْلِ وَكذَلِكَ مُعْظَمُ الشَّرَائِعِ ؛ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ -قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ- أَنَّ تَحْصِيلَ الْمَصَالِحِ الْمَحْضَةِ ، وَدَرْءَ الْمَفَاسِدِ الْمَحْضَةِ عَنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَعَنْ غَيْرِهِ مَحْمُودٌ حَسَنٌ ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ أَرْجَحِ الْمَصَالِحِ فَأَرْجَحِهَا مَحْمُودٌ حَسَنٌ ، وَأَنَّ دَرْءَ أَفْسَدِ الْمَفَاسِدِ فَأَفْسَدِهَا مَحْمُودٌ حَسَنٌ ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ أَرْجَحِ الْمَصَالِحِ فَأَرْجَحِهَا مَحْمُودٌ حَسَنٌ ، وَأَنَّ دَرْءَ أَفْسَدِ الْمَفَاسِدِ فَأَفْسَدِهَا مَحْمُودٌ حَسَنٌ ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمَرْجُوحَةِ مَحْمُودٌ حَسَنٌ ، وَأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْمَرْجُوحَةِ مَحْمُودٌ حَسَنٌ . وَاتَّفَقَ الْحُكَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ .














المبحث الثالث: حاجة الأمة إلى فقه الموازنات.
تشتد حاجة المسلمين إلى هذا الفقه على كل المستويات : على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى الدولة ، فأما الفرد فكثيراً ما يواجه في الحياة مواقف صعبة تتعارض فيها المصالح فيحتاج إلى الموازنة بينها ، أو تتعارض فيها المفاسد فيحتاج كذلك إلى الموازنة بينها ، أو تتعارض فيها المصالح والمفاسد فيحتاج كذلك إلى الموازنة بينها لتغليب إحداها على الأخرى ، وهو في ذلك كله لا بد له أن ينضبط بمنهج فقه الموازنات وإلا عرض نفسه للوقوع في الأخطاء الفادحة •
وإذا كانت تلك هي حاجة الفرد إلى فقه الموازنات فكذلك هي حاجة المجتمع الذي غالباً ما يتعرض لمواقف شائكة ، تتعارض فيها المصالح العامة أو تتعارض المفاسد أو تتعارض فيها المصالح مع المفاسد ، أو تتعارض مصالح المجتمع مع مصالح الفرد ، ولإزالة ذلك التعارض وحل ذلك الإشكال بأحكام عادلة وقرارات سليمة لا بد من العودة والالتزام بمنهج فقه الموازنات.
ولأن كان ذلك هو شأن الفرد وشأن المجتمع في حاجتهما إلى منهج فقه الموازنات ، فإن شأن الدولة في حاجتها إلى فقه الموازنات أكبر وأخطر وذلك أن الدولة هي الأكثر تعرضاً للمواقف المتعارضة التي تتطلب الالتزام والعمل بمنهج فقه الموازنات ؛ إذ إن الدولة عندما تضع نظمها وخططها فإنها تحدد الأولويات لما يجب عمله من المصالح والأولويات لما يجب تركه من المفاسد ، وهذه الأولويات لا يمكن تحديدها إلا من خلال فقه الموازنات الذي يستبين به تفاوت المصالح وتفاوت المفاسد وكيف ترتب المصالح والمفاسد .
ولأن كان ذلك في جانب التنظيم فهو كذلك في جانب التنفيذ إذ إن الدولة وهي تسير نحو تحقيق مصالح الأمة ودرء المفاسد عنها لا بد أن يكون برنامجها التنفيذي في ذلك مبنياً على البدء بتحقيق ما هو أعظم مصلحة ثم ما هو دونه ، ودرء ما هو أشد خطراً ثم ما هو دونه وتحقيق المصالح الكبرى وإن اكتنفتها مفاسد صغرى ودرء المفاسد الكبرى وإن أهدرت معها مصالح مساوية لها أو أدنى منها، وكل ذلك لا بد أن يتم وفق منهج الموازنات • وعلى هذا فإن لمنهج فقه الموازنات أهمية قصوى واحتياج كبير في مجال السياسة الشرعية بل إن السياسة الشرعية تقوم في أساسها على فقه الموازنات، كما يقول القرضاوي: "إن فقه الموازنات هذا له أهمية كبيرة في واقع الحياة وخصوصا في باب السياسة الشرعية، لأنها أساسا تقوم على رعايته" .
والحاجة إلى فقه الموازنات كبيرة جداً في كل نواحي الحياة -اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وغيرها- خصوصاً في هذا العصر الذي تداخلت فيه الأمور ، وتعقدت فيه القضايا وأحاط بها الكثير من الملابسات التي لا يمكن علاجها إلا من خلال منهج فقه الموازنات ،
يقول القرضاوي:" وإذا غاب عنا فقه الموازنات فقد سددنا على أنفسنا كثيراً من أبواب السعة والرحمة ، واتخذنا فلسفة الرفض أساساً لكل تعامل ، والانغلاق على الذات تكأة للفرار من مواجهة المشكلات والاقتحام على الخصم في عقر داره ، وسيكون أسهل شيء علينا أن نقول : (لا) أو (حرام) في كل أمر يحتاج إلى إعمال فكر واجتهاد• أما في ضوء فقه الموازنات فسنجد هناك سبيلاً للمقارنة بين وضع ووضع والمفاضلة بين حال وحال ، والموازنة بين المكاسب والخسائر على المدى القصير وعلى المدى الطويل وعلى المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي ، ونختار بعد ذلك ما نراه أدنى لجلب المصلحة ودرء المفسدة .
وإضافة إلى ما سبق فإن الحاجة ماسة أيضاً إلى فقه الموازنات في ميدان العمل الإسلامي الذي يسعى إلى إصلاح أوضاع الأمة والنهوض بها، فما من شك أن أوضاع الأمة الإسلامية قد وصلت إلى حد من التردي لم يسبق له مثيل كما أحدقت بها المؤامرات من كل حدب وصوب وانتشرت المفاسد في كل جوانب الحياة (اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وتربوياً ••) لذلك فإن العاملين في ميدان الإصلاح والعمل الإسلامي يواجهون وضعاً صعباً ومشاكل متعددة وتداخلات كثيرة بين المصالح والمفاسد ، مما يوجب عليهم أن يسيروا في عملهم الإصلاحي وفق منهج فقه الموازنات ليتبين لهم بذلك أي المجالات يجب البدء بإصلاحها ، وأي المصالح يجب تقديمها على غيرها ، وأي المفاسد يجب البدء بإزالتها ، وما الذي يجب عمله عند تنازع المصالح والمفاسد ، وأما إذا أغفلت حركة الإصلاح منهج فقه الموازنات فإنها تقع في أخطاء فادحة وخسائر كبيرة لأن ما يحيط بها اليوم من أوضاع صعبة وتعقيدات جمة وملابسات خطيرة يجعلها بحاجة إلى العمل المنضبط الدقيق والبعد عن العشوائية والارتجال •
المرفقات
حجية فقه الموازنات وحاجة الأمة إليه Attachmentحجية فقه الموازنة وحاجة الأمة إليه.doc
لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
(85 Ko) عدد مرات التنزيل 11
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حجية فقه الموازنات وحاجة الأمة إليه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فقه الموازنات
» نعي والد السيد الدكتورعبد الله الهلالي-حفظه الله-
» الأستاذ الدكتور علي لغزيوي في ذمة الله
» ندوة حول "مدى حجية استخدام البصمة الوراثية لاثبات البنوة"
» اليوم محاضرة بناء الأمة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ماستر القواعد الفقهية والأصولية بفاس :: الوحدات الأساسية :: علم المقاصد والمصالح-
انتقل الى: