منتدى ماستر القواعد الفقهية والأصولية بفاس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ماستر القواعد الفقهية والأصولية بفاس

وتطبيقاتها في الأحكام والنوازل
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
المنتدى في طور البناء، لا تبخلوا عليه بمشاركاتكم
عما قريب ستزول الاعلانات المزعجة، إذا كان منتدانا نشيطا، فلنساهم في إزالتها بالمشاركة والإفادة والاستفادة

 

 قاعدة المشقة تجلب التيسير من إنجاز فاطمة الزهراء الأصيل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الفتاح2010

عبد الفتاح2010


عدد المساهمات : 107
تاريخ التسجيل : 14/01/2011

قاعدة المشقة تجلب التيسير  من إنجاز فاطمة الزهراء الأصيل Empty
مُساهمةموضوع: قاعدة المشقة تجلب التيسير من إنجاز فاطمة الزهراء الأصيل   قاعدة المشقة تجلب التيسير  من إنجاز فاطمة الزهراء الأصيل I_icon_minitimeالجمعة فبراير 04, 2011 1:42 pm






د

عرض المشقة تجلب التيسير


إنجاز : تحت إشراف:
الطالبة : فاطمة الزهراء الأصيل الدكتور عبد الله الهلالي


مقدمــة:
الحمد لله البر الرحيم القائل في محكم التنزيل: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" والصلاة والسلام على الرحمة المهداة الرؤوف الرحيم بالمؤمنين المبعوث بالحنيفة السمحة رحمة للعالمين، ورضي الله عن صحابته الذين وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم بعثوا ميسرين لا معسرين، وجزى الله علماء هذه الأمة الذين أوضحوا معالم اليسر في الشريعة في كتبهم ومؤلفاتهم فكانوا منارات مضيئة نستدل بها ونقتبس منها.
وبعد: فقاعدة "المشقة تجلب التيسير" أصل عظيم من الأصول، بل إنها من الدعائم والأسس التي يقوم عليها صرح الفقه الإسلامي، فهي قاعدة فقهية وأصولية عامة، ومعظم الرخص منبثق عنها، ومعلوم أن موضوع الرخص الشرعية من الموضوعات ذات الأهمية البالغة في سماحة الشريعة ومرونتها وتقديرها أحوال العباد في يسرهم وعسرهم، فهو موضوع ذو أهمية بالغة كتب فيه الأسلاف من الفقهاء والأصوليين والمفسرين والمحدثين.
وهذه القاعدة ومثيلاتها من القواعد الكلية الخمس يصح أن يطلق عليها اسم النظريات العامة للفقه الإسلامي لما تتسم به صيغها من تجريد وعموم ومضامينها من استيعاب وشمول، فمن استوعبها وأحاط بها فقد استوعب وأحاط بالفقه كله إذ يندرج تحت كل منها جل أبواب الفقه ومسائله. وقد جمعها أحد الشافعية في نظمه قائلا:
خمس مقررة قواعــد مذهـب * للشافعـي فكن بهن خبيــرا
ضرر يزال وعادة قـد أحكمت * وكذا المشقـة تجلب التيسيـرا
والشـك لا ترفع بـه متيـقـنا * والقصد أخلص إن أردت أجورا
وقد اخترت التطرق لخمسة مباحث أساسية عند دراستي لهذه القاعدة كانت كالآتي:
المبحث الأول: مفهوم القاعدة.
المطلب الأول: المعنى اللغوي.
المطلب الثاني: المعنى الاصطلاحي.
المطلب الثالث: تعريف الرخصة والعزيمة.
المبحث الثاني: مستند القاعدة.
المطلب الأول: القرآن الكريم.
المطلب الثاني: السنة النبوية.
المطلب الثالث: الإجماع.
المطلب الرابع: العقل.

المبحث الثالث: فروع القاعدة.
المطلب الأول: الأمر إذا ضاق اتسع.
المطلب الثاني: الضرورات تبيح المحظورات.
المطلب الثالث: إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل.
المطلب الرابع: الضرورات تقدر بقدرها.
المطلب الخامس: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
المطلب الخامس: الإضرار لا يبطل حق الغير.
المطلب السابع: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
المطلب الثامن: ما جاز لعذر بطل بزواله.
المطلب التاسع: الميسور لا يسقط بالمعسور.
المطلب العاشر: ما لا يمكن التحرزعنه يكون عفوا.
المطلب الحادي عشر: الرخص لا تناط بالمعاصي.
المطلب الثاني عشر: المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه.
المبحث الرابع: تطبيقاتها.
المطلب الأول: أسباب التخفيف.
المطلب الثاني: أنواع التخفيف والتيسير.
المطلب الثالث: تطبيقات القاعدة.
المبحث الخامس: مستثنياتها.
خاتمة
هذا تصميم عرضي المتواضع الذي آمل أن أوفق فيه والذي أشير إلى أنه لا يخلو من هفوات وقصور، ولكن حسبي أنني حاولت أقصى جهدي وبذلت ما في وسعي لأخرج بما خرجت به، "وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا" .
وفي ختام هذه المقدمة أرى لزاما على أن أوفي صاحب الحق حقه وذا الفضل فضله، وإن من أولى الناس بهذا أستاذي فضيلة الدكتور عبد الله الهلالي لما قدمه إلي أنا وباقي إخواني الطلبة من توجيه كريم ورعاية سديدة، ولما أحاطنا به من رحابة صدر وطيب نفس ولا نزكي على الله أحدا، فالله تعالى أسأل أن يجازيه عني وعن طلبة هذه الكلية الأصيلة بأحسن ما يجازي به عباده الصالحين.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.












المبحث الأول: مفهوم القاعدة.
المطلب الأول: المعنى اللغوي.
أ- المشقة:
شق على الأمر يشق شقا ومشقة أي ثقل ، والشق والمشقة: الجهد والعناء ، ومنه قوله تعالى: "إلا بشق الأنفس" . وشقت السفرة وهي شقة شاقة إذا كانت بعيدة ، والشقة الناحية التي تلحقك المشقة في الوصول إليها ، وقال تعالى: "بعدت عليهم الشقة" .
ب- تجلب:
الجلب سوق الشيء من موضع إلى آخر، أنشد ابن الأعرابي: يا أيها الزاعم أني أجتلب، فسره فقال: معناه أجتلب شعري من غيري أي أسوقه وأعتمده .
وجلب على فرسه جلبا بمعنى استحثه للعدو بوكز أو صياح أو نحوه ، وأجلبت عليه صحت عليه بقهر ، قال الله عز وجل: "وأجلب عليهم بخيلك ورجلك" .
ج- التيسير:
اليسر: اللين والانقياد، وياسره: لاينه ، واليسر ضد العسر وفي التنزيل: "إن مع العسر يسرا" ، فطابق بينهما. واليسير والميسور: السهل ، قال تعالى: "فقل لهما قولا ميسورا" ، والتيسير يكون في الخير والشر ، وفي التنزيل: "فسنيسره لليسرى" .

المطلب الثاني: المعنى الاصطلاحي.
أ- المشقة:
للعلماء في ضبط المشقة المؤثرة في تخفيف الحكم وجهات نظر متعددة ومن أبرز من تحدث في ذلك الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله إذ قسم المشاق الموجبة للتخفيفات الشرعية إلى ضربين:
أحدهما: مشقة لا تنفك العبادة عنها: كمشقة الوضوء والغسل في شدة السبرات، ومشقة إقامة الصلوات في الحر والبرد ولاسيما صلاة الصبح، ومشقة الصوم في شدة الحر وطول النهار، ومشقة الحج، ومشقة الجهاد والمخاطرة بالأرواح، ومشقة الاجتهاد في طلب العلم والرحلة فيه.
فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات ولا تخفيفها .
الضرب الثاني: مشقة تنفك عنها العبادة غالبا: وهي أنواع:
الفرع الأول: مشقة عظيمة فادحة: كمشقة الخوف على النفوس والأطراف، فهذه مشقة موجبة للتخفيف والترخيص لأن حفظ المهج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولى من تعريضهما للفوات في العبادة.
النوع الثاني: مشقة خفيفة: كأدنى وجع في أصبع أو أدنى صداع، فهذا لا التفات إليه لأن تحصيل مصالح العباد أولى من دفع مثل هذه المشقة التي لا يؤبه لها.
النوع الثالث: مشاق واقعة بين هاتين المشقتين مختلفة من الخفة والشدة: فما دنا منها من المشقة العليا أوجب التخفيف، وما دنا منها من المشقة الدنيا لم يوجب التخفيف إلا عند أهل الظاهر، كالحمى الخفيفة ووجع الضرس اليسير، وما وقع بين هاتين المرتبتين مختلف فيه، فمنهم من ألحقه بالعليا ومنهم من يلحقه بالدنيا، فكلما قارب العليا كان أولى بالتخفيف وكلما قارب الدنيا كان أولى بعدم التخفيف .
كما أن الإمام الشاطبي رحمه الله قسم المشقات التي هي مظان التخفيفات إلى ضربين:
أحدهما: أن تكون حقيقية وهو معظم ما وقع فيه الترخص، كوجود المشقة المرضية والسفرية، وشبه ذلك مما له سبب معين واقع.
والثاني: أن تكون توهمية مجردة، بحيث لم يوجد السبب المرخص لأجله، ولا وجدت حكمته وهي المشقة، وإن وجد منها شيء لكن غير خارج عن مجاري العادات .
وخلاصة ضبط المشقة أنها على نوعين:
وأولهما: المشقة التي جرت العادة بين الناس أن يحتملوها ويستطيعوا المداومة عليها كالمشقة الحاصلة في سائر التكاليف الشرعية، وهذا النوع مشروع لتحقيقه مصالح التكاليف الشرعية، قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" ، وهذا النوع بالضرورة لا يدخل تحت قاعدتنا هذه.
ثانيهما: المشقة الخارجة عما اعتاده الناس في طاقاتهم فلا تحتمل إلا ببذل أقصاها ولا تمكن المداومة عليها إلا بجهد قد يؤدي إلى عجز أو تلف، وهذا النوع هو ما نحن بصدده من جلبه للتيسير .
ب- التيسير:
لا يخرج معناه الاصطلاحي لدى الفقهاء عن معناه اللغوي –السالف بيانه- ويمكن القول بأن التيسير شرعا: تشريع الأحكام على وجه روعيت فيه حاجة المكلف وقدرته على امتثال الأوامر واجتناب النواهي مع عدم الإخلال بالمبادئ الأساسية للتشريع . والمعنى الاصطلاحي للقاعدة: "المشقة تجلب التيسير" أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقـها
حرج على المكلف ومشقة في نفسه أو ماله فالشريعة تخففها بما وقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج ..

المطلب الثالث: تعريف العزيمة والرخصة.
الفرع الأول: تعريف العزيمة.
العزيمة لغة: القصد المصمم، والطلب المؤكد، والاجتهاد والجهد في الأمر، وعزيمة الله: فريضته التي اقتضاها، والجمع عزائم . وقال ابن منظور: العزم ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله . وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: "متى توتر؟ قال: أول الليل، وقال لعمر، متى توتر؟ فقال: من آخر الليل، فقال لأبي بكر: أخذت بالحزم، وقال لعمر أخذت بالعزم " . قال ابن منظور: أراد أن أبا بكر حذر فوات الوتر بالنوم فاحتاط وقدمه، وأن عمر وثق بالقوة على قيام الليل فأخره، ولاخير في عزم بغير حزم، فإن القوة إذا لم يكن معها حذر أورطت صاحبها . والعرب تقول: عزمت الأمر، وعزمت عليه، ومن ذلك قوله تعالى: "فإذا عزمت فتوكل على الله" ، وقوله تعالى: "وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم" ، وقوله تعالى: "فإذا عزم الأمر" .
وعرفها الإمام الغزالي فقال: "والعزيمة في لسان حملة الشرع عبارة عما لزم العباد بإيجاب الله تعالى" . أما الإمام الشاطبي فقد عرفها بقوله: العزيمة ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء، ومعنى كونها كلية أنها تختص ببعض المكلفين حيث هم مكلفون دون بعض، وببعض الأحوال دون بعض... ومعنى شرعيتها ابتداء أن يكون قصد الشارع بها إنشاء الأحكام التكليفية على العباد من أول الأمر، فلا يسبقها حكم شرعي قبل ذلك .

الفرع الثاني: تعريف الرخصة.
الرخصة في اللغة من رخض الشيء رخاصة ورخوصة ورخصانا: لان ونعم فهو رخص ورخيص، وأرخص السعر جعله رخيصا، ورخص له الأمر: سهله ويسره، فقال: رخص له في كذا: أذن له فيه بعد النهي عنه، والرخصة: التسهيل في الأمر والتيسير .
وفي الاصطلاح: الرخصة هي ما شرع لعذر شاق في حالات خاصة، وهي استباحة المحظور بدليل مع قيام دليل الحظر . وقد عرفها الإمام الشاطبي رحمه الله بأنها: ما شرع لعذر شاق، استثناء من أصل كلي يقتضي المنع، مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه، ويقول الإمام الشاطبي كذلك: وقد تطلق الرخصة على ما استثنى من أصل كلي يقتضي المنع مطلقا، من غير اعتبار بكونه لعذر شاق... وقد يطلق لفظ الرخصة على ما وضع عن هذه الأمة من التكاليف الغليظة والأعمال الشاقة... وتطلق الرخصة أيضا على ما كان من المشروعات توسعة على العباد مطلقا، مما هو راجع إلى نيل حظوظهم وقضاء أوطارهم .
الفرع الثالث: الفرق بين الرخصة والعزيمة.
يقول الإمام أبو زهرة بعد أن أورد تعريف كل من الرخصة والعزيمة: وعلى ذلك تكون العزيمة حكما عاما هو الحكم الأصلي، ويشمل الناس جميعا، والكل مخاطب به، وأما الرخصة فليست الحكم الأصلي بل هي حكم جاء مانعا من استمرار الالتزام في الحكم الأصلي، وهي في أكثر الأحوال تنقل الحكم من مرتبة اللزوم إلى مرتبة الإباحة، وقد تنقله إلى مرتبة الوجوب، وبذلك يسقط الحكم الأصلي تماما .
ويقول الأمام الشاطبي: "يرجع الفرق بينهما إلى أن العزائم هي حق الله على العباد، والرخص حظ العباد من لطف الله" . وإذا اعتبرنا العزائم من الرخص، وجدنا العزائم مطردة مع العبادات الجارية، والرخص جارية عند انحراف تلك العوائد" .
المبحث الثاني: مستند القاعدة.
أصل هذه القاعدة ثابت بالقرآن والسنة والإجماع والعقل.
المطلب الأول: القرآن الكريم.
وردت في القرآن الكريم نصوص كثيرة وعديدة برفع الحرج والتيسير على الناس والتخفيف عليهم فيما شرعه الله تعالى لهم من الأحكام ورفع التكليف عما هو شاق من تلك الأحكام مما لا تطيق النفوس وليس في مقدورها ووسعها أن تتحمله.
قال تعالى: "يريد بكم الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" تعقيبا على أحكام الصيام وقد ورد هذا النص مباشرة بعد النص على الترخيص وكان كالصلة لقوله تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" .
جاء في تفسير المنار عند قوله تعالى: "يريد بكم الله اليسر ولا يريد بكم العسر": الآية تشعر بأن الأفضل أن يصوم إذا لم يلحقه مشقة أو عسر علة الرخصة، وإلا كان الأفضل أن يفطر لوجود علتها... ذلك بأن الله لا يريد إعنات الناس بأحكامه وإنما يريد اليسر وخيرهم ومنفعتهم، وهذا أصل في الدين يرجع إلى غيره، ومنه أخذوا قاعدة: 'المشقة تجلب التيسير" .
وقال تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ، فالمراد بالوسع: الطاقة والاستطاعة والمستطاع ما اعتاد الناس دون مشقة بالغة. وقال تعالى: "يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا" فهذا تذكير: أن الله يوالي رفقه بهذه الأمة ويريد بها اليسر، وقال تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم" ، وقد جاءت هذه الآية لبيان تفضيل هذا الدين عما سواه لنفي الحرج عنه الأمر الذي يسهل العمل به والمداومة عليه فيسعد أتباعه بسهولة امتثاله.
وقال تعالى: "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" . فهذا الجزء من الآية جاء تعليلا لرخصة التيمم والمراد هنا نفي الحرج الحسي فلم يكلفوا بالوضوء والاغتسال مع المرض والسفر إذا فقدوا الماء في السفر وعجزوا عن استعماله في المرض، وكذلك نفي الحرج المعنوي لو منعوا من أداء الصلاة في حالة العجز عن استعمال الماء لضر أو فقدانه في السفر .
وقال تعلى: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" فهذه الآية تمثل إعذارا من الله للضعفاء وهم العاجزون عن تحمل المشاق كالشيخ والصبي والمرأة والهزيل خلقا لا علة، والمرضى والفقراء الذين يعجزون عن تجهيز أنفسهم للقتال، وقال تعالى: "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج" .
ومن هذه الآيات ما امتن الله تعالى به في سياق بيان بعض الأحكام الفرعية من أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، قال تعالى: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون" ، وقال عز وجل: "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها" ، وقال سبحانه: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا نكلف نفسا إلا وسعها" .
وقال تعالى: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" فقد سمي هذا الدين الحنيفية السمحة لما فيه من التسهيل والتيسير .
فوجه الدلالة في هذه الآيات وفي ما سواها من الآيات الأخرى التي تضافرت في هذا الموضوع أن الشريعة الإسلامية تتوخى دائما رفع الحرج عن الناس وليس في أحكامها ما يجاوز قوى الإنسان الضعيفة، وهذه النصوص دلت على ذلك لعموم معناها وانطلاقا منها استنبط الفقهاء هذه القاعدة وجعلوها بمثابة نبراس يستضيئون به عند النوازل والوقائع ويعالجون كثيرا من المسائل والقضايا على أساسها .
المطلب الثاني: السنة النبوية.
إن المتصفح للسنة النبوية يجدها كثيرا ما تشير إلى معاني القاعدة الشرعية إذ تدل مواضع كثيرة منها على التيسير والترخيص، وليس أدل على ذلك من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف هذا الدين بالحنيفية السمحة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة" .
وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله بابا في صحيحه بعنوان: "الدين يسر" وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"، وتناول فيه ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة" .
جاء في النهاية في غريب الحديث: "إن هذا الدين يسر" اليسر ضد العسر، أراد أنه سهل سمح قليل التشديد . وقال الأمام ابن حجر رحمه الله: "الدين يسر" أي دين الإسلام ذو يسر بالنسبة إلى الأديان قبله لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم .
ومن هذا الباب ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" . وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما" .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوما وعندها امرأة، قال: "من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: "مه عليكم بما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا" وكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه .
وهكذا يتبين من نصوص السنة الكثيرة التخفيف والتيسير وأن رفع المشقة هو قطب الرحى الذي يحوم حوله كثير من أحكام الإسلام.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يترك الأمر مخافة أن تكون فيه مشقة على أمته وظهرت هذه الرأفة في أروع مظاهرها، فمن الأحاديث الجليلة في هذا المعنى ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم بالعشاء فخرج عمر فقال: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر يقول: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بهذه الصلاة هذه
الساعة" .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" .
فهذه نبذة يسيرة من الأحاديث الثابتة في هذا الباب وكلها وثيقة الصلة بموضوع التيسير والتخفيف، وفيها توجيه وإرشاد إلى إعمال قاعدة "المشقة تجلب التيسير". وقد انتظمت تلك الأحاديث في ثلاثة جوانب على اختلاف موضوعاتها والمناسبات التي وردت فيها:
1- بعضها يتناول يسر هذا الدين وسماحته ورفع الحرج عن العباد.
2- وقسم منها يتعرض لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف ونهي الناس عن التعمق التشديد.
3- وباقيها في بيان ما ترك صلى الله عليه وسلم في بعض القرب خشية المشقة على أمته.
وهي كلها في مجموعها متحدة في معناها ومغزاها يتجلى فيها القصد إلى وضع الحرج عن الأمة .
المطلب الثالث: الإجماع.
أجمعت الأمة سلفا وخلفا على عدم وقوع المشقة غير المألوفة في أمور الدين، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: فإن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشق والإعنات فيه، والدليل على ذلك الإجماع على عدم وقوعه وجودا في التكليف، وهو يدل على عدم قصد الشارع إليه، ثم ما ثبت أيضا من مشروعية الرخص وهو أمر مقطوع به ومما علم من دين الأمة ضرورة، كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا نمط يدل على مطلق رفع الحرج والمشقة، وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكلف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال، ولو كان الشارع قاصدا للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف
المطلب الرابع: العقل.
فلو كان التكليف بالمشقة واقعا لحصل في الشريعة الإسلامية تناقض واضح واختلاف بين، يقول الإمام الشاطبي عند حديثه عن المشقة غير المعتادة: ولو كان واقعا لحصل في الشريعة التناقض والاختلاف وذلك منفي عنها، فإنه كان وضع الشريعة على قصد الإعنات والمشقة، وقد ثبت أنها موضوعة على قصد الرفق والتيسير، كان الجمع بينهما تناقضا واختلافا وهي منزهة عن ذلك .
المبحث الثالث: فروع القاعدة.
تتفرع عن قاعدة "المشقة تجلب التيسير" قواعد كثيرة مثل :
- الأمر إذا ضاق اتسع.
- الضرورات تبيح المحظورات.
- الضرورات تقدر بقدرها.
- الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
- الإضرار لا يبطل حق الغير.
- الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
- ما جاز لعذر بطل بزواله.
- إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل.
- الميسور لا يسقط بالمعسور.
- ما لا يمكن التحرز عنه يكون عفوا.
- الرخص لا تناط بالمعاصي.
- المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه.

وهذه دراسة مبسطة لهذه القواعد:
المطلب الأول: الأمر إذا ضاق اتسع:
هذه القاعدة مستخرجة من القاعدة الكلية "المشقة تجلب التيسير" وبينهما تقارب في المآل، قال ابن السبكي رحمه الله: المشقة تجلب التيسير وإن شئت قلت: إذا ضاق الأمر اتسع . والمقصود هو التيسير، أي إذا ضاقت المسالك على المكلف اتسعت له فسحة التيسير والتسهيل، قال تعالى: "إن مع العسر يسرا" . وهذه القاعدة هي قول الإمام الشافعي رحمه الله .، وعكسها: "إذا اتسع الأمر ضاق" أي أنه إذا زالت مقتضيات الضرورة عاد الحكم الأصلي إلى الوجود، والقاعدة الثانية "إذا اتسع الأمر ضاق" أي لأنه إذا زالت مقتضيات الضرورة عاد الحكم الأصلي إلى الوجود، والقاعدة الثانية "إذا اتسع الأمر ضاق" بمثابة قيد للأولى، فإنه إذا دعت المشقة إلى اتساع الأمر فإنه يتسع إلى غاية اندفاع المشقة، ثم الأمر يعود إلى مجراه السابق بعدما تزول تلك المشقة.
قال تعالى: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا" إلى قوله: "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" . ووجه الدلالة في الآيتين الأوليين دليل القاعدة "إذا ضاق الأمر اتسع" فقد خفف الله عن المؤمنين في حال الخوف فأباح لهم صلاة الخوف، وفي الآية الثالثة دليل على قاعدة "إذا اتسع الآمر ضاق" فقد أمر سبحانه وتعالى عند الاطمئنان وزوال الخوف بإتمام الصلاة وأدائها على كيفيتها الأصلية.
المطلب الثاني: الضرورات تبيح المحظورات:
يعني أن حالة الاضطرار الشديد تبيح ارتكاب المنهي عن فعله شرعا بقدر دفع الضرورة ودون تجاوزها، فالحاجة الشديدة والاضطرار مشقة تتطلب التيسير والتخفيف ورفع الحرج بحيث يباح الممنوع شرعا عند الحاجة الشديدة وهي الضرورة.
والمقصود بالإباحة في قاعدة هنا: رفع الإثم والمؤاخذة في يوم القيامة، وتعني كذلك رفع العقاب الجنائي في حالة الدفاع عن النفس والإكراه على الزنا، أما إذا كان المحظور يتعلق بحق مالي فإن الضرورة وإن كانت قد أبيح فعلها لا تمنع من ضمانه، هذا استنادا إلى قاعدة "الاضطرار لا يمنع حق الغير" .
والأدلة على هذه القاعدة كثيرة منها قوله تعالى: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم" ، وقوله تعالى: "فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم" ، وقوله تعالى: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه" ، وكذلك قول الله عز وجل: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" ، فالقاعدة مستفادة من استثناء القرآن الكريم حالات الاضطرار في ظروف استثنائية خاصة .
المطلب الثالث: إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل:
هذه القاعدة من القواعد المشهورة في الفقه الإسلامي وحكمة مشروعيتها تيسير الطاعات للعباد، ولما كان البدل عند تعذر الأصل رخصة كانت هذه القاعدة مندرجة تحت قاعدة "المشقة تجلب التيسير" ومتفرعة عليها.
والأمثلة على هذه القاعدة كثيرة: قال تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين" ، وقال تعالى: "فإذا أمنتم من تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة" ، وقال تعالى: "حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن حفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون" ، وقال سبحانه: "ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" ، وقال تعالى: "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم" .
ففي كل هذه الآيات كان الأصل عزيمة ولما شق وتعسر خفف الله سبحانه عن عباده الانتقال إلى البدل وهو الرخصة لأن المشقة تجلب التيسير .
المطلب الرابع: الضرورات تقدر بقدرها:
ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها أو الضرورات تقدر بقدرها، فهذه القاعدة من القواعد المكملة لقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، فتعتبر قيدا لها أي أن كل فعل أو ترك جوز للضرورة فلا يتجاوز عنها، حيث بفعل المحظور ولكن بقدر ما تندفع به الضرورة .
وهذه القاعدة مستقاة من قول الله تعالى: "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم" .
المطلب الخامس: الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف:
- الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
- إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفها.
- يختار أهون الشرين.
هذه القواعد الثلاث التي تفيض بذكرها كتب الفقهاء والأصوليين كلها متحدة تفضي إلى مفهوم واحد، فمن الجدير بأن تذكر في سياق واحد تفاديا للتكرار. والمراد منها أن الإنسان إذا اضطر لارتكاب أحد الفعلين دون تعيين أحدهما مع اختلافهما في المفسدة لزم عليه أن يختار أخفهما ضررا ومفسدة لأن مباشرة المحظور لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة ، ففي فعل الأشد مع وجود الأخف مشقة أكبر ولذا أمر الإسلام رفعا للحرج بارتكاب المفسدة الأخف .
وإن لهذه القواعد سندا قويا في كتاب الله والسنة المطهرة، وهي تمثل روعة التشريع في رفع الحرج وإزالة الضرر عن العباد وتتخرج عليها مسائل هامة في الفقه الإسلامي، من ذلك أنه يجوز السكوت على المنكر إذا كان يترتب على إنكاره ضرر أعظم، كما يجوز طاعة الأمير الجائر إذا كان يترتب على الخروج عليه شر أعظم .
المطلب السادس: الإضرار لا يبطل حق الغير:
هذه القاعدة تعتبر قيدا لقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات لأن الاضطرار وإن كان في بعض المواضع يقتضي تغيير الحكم من الحرمة إلى الإباحة كأكل الميتة، وفي بعضها يقتضي الترخيص في فعله مع بقاء حرمته ككلمة الكفر. إلا أنه على كل حال لا يبطل حق الآخرين، وإلا كان من قبيل إزالة الضرر بالضرر وهذا غير جائز، فبناء عليه لو اضطر لأكل طعام غيره، فبعد زوال الاضطرار عليه ضمان قيمة ما أكل إن كان قيميا، ومثله إن كان مثليا. والاضطرار كما يكون سماويا كالجماعة، يكون أيضا بالإكراه الملجئ كالقتل أو القطع أو الإتلاف، أو بالإكراه غير الملجئ كالضرب والحبس، ففي الملجئ الضمان على الآمر لا على الفاعل، وفي غير الملجئ على الفاعل، ومثال ذلك ما لو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها ضمنه .


المطلب السابع: الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة:
المراد بالحاجة هنا ما كان دون الضرورة، فإذا كانت حاجة عامة لمجموع من الناس أو خاصة بشخص ما نزلت هذه الحاجة منزلة الضرورة في جواز الترخيص لأجلها، أي أنها تؤثر في الأحكام فتبيح المحظور وتجيز ترك الواجب مما يستثنى من القواعد الأصلية. فهذه القاعدة تدور حول رفع المشقة عن الناس وجلب التيسير لهم، فيباح لبس الحرير الطبيعي –وهو محرم على الرجل المسلم- إذا دعت لذلك حاجة مرضية كالحكة مثلا، كما يجوز للحائض والجنب دخول المسجد بدون كراهة لحاجة تدعو لذلك، ويجوز الخضاب بالأسود أو التبختر أثناء الجهاد مع العدو .

المطلب الثامن: ما جاز لعذر بطل بزواله:
معنى هذه القاعدة قريب من قاعدة "الضرورة تقدر بقدرها" أي أن ما قام على الضرورة يزول بزوال هذه الضرورة لأن جوازه لما كان لعذر فهو خلف عن الأصل المعتذر، فإذا زال العذر أمكن العمل بالأصل، فلو جاز العمل بالخلف أيضا لزم الجمع بين البدل والمبدل منه، فلا يجوز، كما لا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فمعنى البطلان هنا شامل لسقوط اعتباره من حيث إنه يصير في حكم العدم، ولوجوب الانسلاخ منه وتركه، فيبطل التيمم إذا قدر على استعمال الماء، فإن كان لفقد الماء بطل بالقدرة عليه، وإن كان لمرض بطل ببرئه، وإن كان لبرد بطل بزواله، كما تبطل الشهادة على الشهادة لمرض أو سفر وإذا حضر الأصل عند الحاكم قبل الحكم .
المطلب التاسع: الميسور لا يسقط بالمعسور:
معنى هذه القاعدة أن الأمر الذي يستطيع المكلف فعله وهو يسير عليه لا يسقط بما شق فعله عليه أو عسر، فهذه القاعدة مبنية على التيسير والاعتدال، فهي مستقاة من الأدلة التي تنص على رفع المشقة عن العباد مع الإتيان بما هو في المستطاع.
فهذه القاعدة قاعدة مهمة من قواعد الفقه تمسك بها جماهير الفقهاء ويمثل فيها جانب التيسير والتخفيف . يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله مشيرا إلى هذه القاعدة: فإن أصول الشريعة تفرق في جميع مواردها بين القادر والعاجز، والمفرط والمعتدي ومن ليس بمفرط ولا معتد، والتفريق بينهما أصل عظيم معتمد، وهو الوسط الذي عليه الأمة الوسط، وبه يظهر العدل بين القولين المتباينين .

المطلب العاشر: ما لا يمكن التحرز عنه يكون عفوا:
ما لا يمكن التحرز عنه يكون عفوا، أو ما لا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو، هذه القاعدة مستنبطة من استقراء النصوص الشرعية المتظافرة التي نصت على رفع الحرج عن العباد بقدر الإمكان، وهي متبعة في العبادات والمعاملات ، فالكلام مفسدة للصلاة، بخلاف التنحنح فإنه لإصلاح الحلق ليتمكن به من القراءة والعطاس، فلا يمكنه الامتناع منه فكان عفوا .
المطلب الحادي عشر: الرخص لا تناط بالمعاصي:
يقول الإمام الشاطبي: الرخصة عندما لا تكون إلا لمطيع، فأما المعاصي فلا، فهذه العبارة وأمثالها لما تكررت على ألسنة الفقهاء اكتسبت صيغة مرتكزة، فقد عبر عنها الفقهاء المتأخرون بقولهم: الرخص لا تناط بالمعاصي .
ومن ثم فالعاصي بسفره لا يترخص له بالفطر والجمع والقصر ولا يأكل الميتة ولا يمسح مدة المسافر قطعا، ولا مدة المقيم في الأصح، ولا تسقط عنه الجمعة بسفره... ولو زال عقله بسبب محرم لم تسقط عنه الصلاة، ولو استنجى بمحرم أو بطهور فالأصح لا يجزيه لأن الاقتصار على الأحجار رخصة، والرخص لا تناط بالمعاصي .

المطلب الثاني عشر: المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه:
هذه إحدى القواعد المبنية على أساس التيسير ورفع الحرج، والأدلة على هذه القاعدة كثيرة منها قول الله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" . يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: فالله إذا أمرنا بأمر كان ذلك مشروطا بالقدرة عليه، والتمكن من العمل به، فما عجزنا عن معرفته أو عن العمل به سقط عنا ، فالمال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده إليه، فيصرف في مصالح المسلمين، والصدقة من أعظم مصالح المسلمين، وهذا أصل عام في كل مال جهل مالكه .

المبحث الرابع: تطبيقاتها.
قبل التطرق لتطبيقات هذه القاعدة يجمل بنا أن نتحدث عن أسباب التخفيف وأنواعه ثم بعد ذلك ننتقل لبعض تطبيقات هذه القاعدة.
المطلب الأول: أسباب التخفيف.
للتخفيف أسباب بنيت على الأعذار وقد رخص الشارع لأصحابها بالتخفيف عنهم، فكل ما تعسر أمره وشق على المكلف وضعه يسرته الشريعة الغراء بالتخفيف بأصول شرعية وتبعا لذلك ضبطه الفقهاء بالقواعد المحكمة.
ومن أهم الأعذار التي جعلت سببا للتخفيف عن العباد ما يلي:
1- السفر: قال النووي: ورخصه ثمانية منها ما يختص بالطول قطعا وهو القصر والفطر والمسح أكثر من يوم وليلة، ومنها ما لا يختص به قطعا وهو ترك الجمع وأكل الميتة، ومنها ما فيه خلاف والأصح اختصاصه به وهو الجمع.
2- المرض: رخصه كثيرة كالتيمم عند مشقة استعمال الماء والقعود في صلاة الفرد والاضطجاع في الصلاة والإيماء والجمع بين الصلاة والفطر في رمضان والاستنابة في الحج والتداوي بالنجاسات.
3- الإكراه:
4- النسيان.
5- الجهل.
6-العسر وعموم البلوى: كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها كدم القروح والدمامل.
7- النقص: كعدم تكليف الصبي والمجنون وعدم تكليف النساء بالجماعة والجمعة والجهاد .
المطلب الثاني: أنواع التخفيف والتيسير في الشريعة نجد أهمها ما يلي :
1- تخفيف إسقاط: كإسقاط العبادات عند وجود أعذارها الشرعية.
2- تخفيف تنقيص: كالقصر في السفر.
3- تخفيف إبدال: كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم، والقيام في الصلاة بالقعود.
4- تخفيف تقديم: كالجمع بعرفات تقديما وتقديم الزكاة على الحول وزكاة الفطر في رمضان.
5- تخفيف تأخير: كالجمع بمزدلفة، وتأخير رمضان للمسافر والمريض.
6- تخفيف ترخيص: كصلاة المستجمر مع بقية النجو (العذرة) وأكل المحرم وشربه للمضطر.
7- تخفيف تغيير: كتغيير كيفية الصلاة للخوف.
المطلب الثالث: تطبيقات القاعدة:
يشمل تطبيق هذه القاعدة كل أمور الدين .
أولا: في العقيدة:
عندما يهدد الإنسان من قبل من يستطيع التنفيذ بالقتل أو قطع أحد الأعضاء أو الأذى الشديد إذا لم يكفر، فقد جعل الإسلام الثبات في هذا الموقف العصيب وعدم التلفظ بالكفر هو العزيمة، ولكنه رخص التظاهر بالكفر بشرط اطمئنان القلب بالإيمان بالله وبرسوله، قال تعالى: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" .

ثانيا: في العبادات:
حيث أباح الله تعالى التيمم للوضوء والغسل عند فقد الماء، قال الله تعالى: "وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" . كما أن الذي لا يستطيع الوقوف في الصلاة يؤديها قاعدا فإن لم يستطع فعلى جنبه، كما لا يجب قضاء الصلاة على الحائض لتكررها بخلاف الصوم، وسقط استقبال القبلة في حال شدة الخوف والنافلة في السفر حتى لا يفوت الناس أورادهم، كما سومح بترك القيام في النافلة، وإدراك الركعة بالركوع مع الإمام . كما يجوز الجمع بسبب المطر ولو لمقيم فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة بالظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا من غير خوف ولا سفر، بل بعذر المطر.
كما أبيح القصر في الصلاة، والفطر في رمضان للمسافر والمريض قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" . وسومح في الحج والعمرة بدخول النيابة فيهما .

ثالثا: في المعاملات:
فالإجارة عقد على منافع بعوض، والقياس يأبى جوازه لأن المعقود عليه المنفعة وهي معدومة، وإضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح، ولكن الشرع جوزه لحاجة الناس ، قال تعالى: "فإن ارضعن لكم فآتوهن أجورهن" .، وقال سبحانه: "إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج" .
والمدين إذا كان معسرا ولا كفيل له بالمال يترك إلى وقت الميسرة، وإذا لم يقدر على إيفاء الدين جملة يساعد على تأديته مقسطا، وذلك لقوله تعالى: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" . وكذا المتوفى عنها زوجها يباح لها الخروج من بيتها أيام عدتها إذا اضطرت للاكتساب .
وإذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجلا عجوزا ذلك كما قال الشافعي، ومنها شهادة النساء والصبيانفي الحمامات والمواضع التي لا يحضرها الرجال دفعا لحرج ضياع الحقوق، ومنها شهادة القابلة على الولادة لضرورة حفظ الولد ونسبه، ومنها إباحة أكل الميتة للمضطر أو أكل مال الغير –على أن يضمنه- حفظا للحياة، ومنها الإجارة على الطاعات كتعليم القرآن والآذان والإمامة حفظا للشعائر من الضياع .
ومنه إباحة النظر عند الخطبة وللتعليم والاجتهاد والمعاملة والمعالجة، ومنه مشروعية الطلاق لما في البقاء على الزوجة من المشقة عند التنافي وكذا مشروعية الخلع والافتداء والفسخ بالعيب ونحوه، والرجعة في العدة لما كان الطلاق يقع غالبا بغتة في الخصام وشق عليه التزامه فشرعت له الرجعة في تطليقتين ولم تشرع دائما لما فيه من المشقة على الزوجة إذا قصد إضرارها في الرجعة والطلاق كما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ .
رابعا: الأخلاق:
كل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب فيه، وإن لم يكن ذلك إلا بالكذب جاز الكذب، ومن هنا كان الكذب في الحرب لكسب المعركة، وكذب الرجل على زوجته لإزالة الخصومة بينهما، والكذب للإصلاح بين أخوين متخاصمين. كما أن الغيبة محرمة بقول الله تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضا" ، إلا أن هناك أغراضا صحيحة شرعية لا يمكن الوصول إليها إلا بالغيبة فتباح للنصيحة وللتظلم والاستعانة على إزالة المنكر وتحذير المسلمين من الشر.

المبحث الخامس: مستثنيات القاعدة.
القواعد الفقهية ليست قوانين مطردة، بل كل قاعدة من هذه القواعد لا تخلو من مستثنيات مهما تعددت الفروع المندرجة تحتها. وقاعدة: "المشقة تجلب التيسير" رغم كونها إحدى القواعد الخمس الأمهات فليست مطردة بل لها مستثنيات لا ينطبق عليها حكم القاعدة.
فمن المشاق المستثناة من هذه القاعدة المشقة التي تكون في معصية أو عمل يؤدي إلى إثم معلوم، فإن سفر المعصية مهما كان سفرا مضنيا متعبا فلا يجوز للمسافر بعض الرخص كرخصة القصر والإفطار مثلا. ومعنى قول الأئمة: الرخص لا تناط بالمعاصي، أن فعل الرخصة متى توفق على وجود شيء نظر في ذلك الشيء فإن كان تعاطيه في نفسه حراما امتنع معه فعل الرخصة وإلا فلا .
كما أن إعذار الجاهل هو من باب التخفيف لا من حيث جهله، ولهذا قال الشافعي: لو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيرا من العلم، إذ كان يحط على العبد أعباء التكليف ويريح قلبه من ضروب التعنيف، فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين ، قال تعالى: "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" .
كما أنه إذا كانت المشقة ووقوعها عاما يراعي التخفيف والتيسير أما إذا كان وقوعها نادرا لم تراع المشقة، فتتوضأ المستحاضة لكل فريضة وتقضي المتحيرة الصلاة على ما نقله الرافعي عن الجمهور ووجهه الشاشي في المعتمد بأن هذه الأشياء تقع نادرا أو لعله لم يقع قط، وإنما يذكره الفقهاء للتفريع.
ومثله لو نسى أربع صلوات من صلوات أربعة أيام ولم يعلم أنها متفقة أو مختلفة فإنه يحتاج لصلاة عشرين صلاة ليسقط الفرض بيقين وإن كان عليه من ذلك مشقة. ومثله أيضا المرتد عندما يقضي ما فاته من الصلوات في حال ردته إن طالت مدته ولوأدى ذلك إلى المشقة، وقالوا في صلاة شدة الخوف يلقي السلاح إذا دمي فلو عجز أمسكه ولا قضاء في الأصح، لأنه عذر عام في هذه الصلاة فكان كدم الاستحاضة، وحكى الإمام الزركشي أنه يقضي لندور عذره، ثم منعه، فقال: تلطيخ السلاح بالدم من الأعذار العامة في حق المقاتل فهو في حقه كدم الاستحاضة .

خاتمــة:
إن قاعدة: "المشقة تجلب التيسير" أصل عظيم من أصول الشرع ومعظم الرخص منبثقة عنه بل إنه من الدعائم والأسس التي يقوم عليها صرح الفقه الإسلامي، فهي قاعدة فقهية وأصولية عامة وصارت أصلا مقطوعا به لتوافر الأدلة عليها، حتى قال الإمام الشاطبي رحمه الله: إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع . وهذه القاعدة فيها تفسير للأحكام التي روعي فيها التيسير والمرونة، وإن الشريعة لم تكلف الناس بما لا يستطيعون أو بما يوقعهم في الحرج وبما لا يتفق مع غرائزهم وطبائعهم، وأن المراعاة والتيسير والتخفيف مرادة ومطلوبة من الشارع الحكيم.








لائحة المصادر والمراجع:
* الأشباه والنظائر للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن عبد الكافي السبكي: تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد عوض: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1411هـ -1991م.
* الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان لزيد بن إبراهيم بن نجيم الحنفي: مكتبة نزار مصطفى الباز، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية: 1418هـ 1997م.
* الأشباه والنظائر في الفروع تأليف الإمام جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع د ت.
* تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار للإمام محمد رشيد رضا: دار الفكر، الطبعة الثانية، د ت.
* الرخصة الشرعية في الأصول الإسلامية للدكتور عمر عبد الله كامل: دار ابن حزم بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1420هـ -1999م.
* رفع الحرج في الشريعة الإسلامية للدكتور عدنان محمد جمعة: دار العلوم الإنسانية دمشق سوريا، الطبعة الثالثة: 1413هـ -1993م.
* صحيح البخاري مع كشف المشكل: تحقيق: مصطفى الذهبي: دار الحديث القاهرة، الطبعة الأولى: 1420هـ -2000م.
* ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: مؤسسة الرسالة بيروت لبنان، الطبعة السادسة: 1412هـ-1992م.
* فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العقسلاني: دار الفكر د ت.
* القاموس الفقهي لغة واصطلاحا لسعدي أبو حبيب: دار الفكر دمشق سوريا، إعادة الطبعة الأولى: 1419هـ-1998م.
* القاموس المحيط لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي: دار الفكر بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1424هـ-2003م.
*قواعد الأحكام في إصلاح الأنام: تأليف شيخ الإسلام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام: تحقيق: نزيه كمال حماد وعثمان ضميرية: دار القلم دمشق سوريا، الطبعة الأولى: 1421هـ-2000م.
* القواعد الفقهية لعلي أحمد الندوي: دار القلم دمشق سوريا، الطبعة الرابعة: 1418هـ-1998م.
* لسان العرب لجمال الدين محمد بن منظور: تحقيق: عامر أحمد حيدر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1424هـ-2003م.
* مجلة منار الإسلام: العدد ه السنة: 23 شعبان 1418هـ دجنبر 1997م.
مسند الإمام أحمد بن حنبل: دار صادر بيروت لبنان، د ت.
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: تأليف أحمد بن محمد المقري الفيومي: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع د. ت.
* معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني تحقيق: نديم مرعشلي: دار الفكر بيروت لبنان د ت.
* الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي: تحقيق: عبد القادر الفاضلي: المكتبة العصرية بيروت لبنان، الطبعة الأولى: 1421هـ-2000م.
* المنثور في القواعد لبدر الدين الزركشي: تحقيق: تيسير فائق أحمد محمود: طبعة 1402هـ-1982م.
* النهاية في غريب الحديث والأثر للإمام مجد الذين بن محمد بن الأثير: دار الفكر بيروت لبنان، طبعة 1421هـ-2000م.







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قاعدة المشقة تجلب التيسير من إنجاز فاطمة الزهراء الأصيل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عرض بعنوان المشقة تجلب التيسير; الطالبين: عبد الرؤوف عبد الجواد محمد المنتصري
» تنبيه إلى الاجتهاد في جميع المواد،وفي إنجاز البحث
» قاعدة الأمور بمقاصدها
» تتمة تقرير الندوة العلمية ، وهذا التقرير من إنجاز مجموعة من الطلبة
» عرض في قاعدة فقهية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ماستر القواعد الفقهية والأصولية بفاس :: الوحدات الأساسية :: القواعد الفقهية-
انتقل الى: